دولي

بوتين يرسم لبايدن حدود واشنطن بريشة حادة!

نشرت أسبوعية ” ارغومنتي اي فاكتي” مقالا للمحل السياسي رامي الشاعر جاء فيه:

أقلعت صباح أمس، الأحد 20 يونيو، طائرة تقل السفير الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أناتولي أنطونوف، متوجهاً إلى نيويورك ومن ثم إلى واشنطن.

وقبل رحلته صرح أنطونوف للصحافة أن جدوله يشمل بالفعل عدداً من الاجتماعات في مقره بالولايات المتحدة الأمريكية، ستبدأ اليوم الاثنين فور وصوله إلى العاصمة الأمريكية، بينما يأمل في إحراز تقدم في عملية بناء علاقات متكافئة وبراغماتية مع الجانب الأمريكي. وتابع السفير الروسي: “أنا متفائل بهذا الصدد”.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد صرح، عقب لقاء نظيره الأمريكي، جو بايدن، أثناء القمة التي جمعتهما، 16 يونيو، في جنيف، بأن الجانبين قد اتفقا على عودة السفيرين الروسي والأمريكي إلى أماكن عملهما في واشنطن وموسكو، لكنه أوضح في الوقت نفسه أن التوقيت المحدد لعودة الدبلوماسيين إلى أماكن خدمتهم الدائمة هو مسألة فنية بحتة.

بإمكاننا القول إن عنوان قمة جنيف بين بوتين وبايدن كان “الاتفاق على التهدئة”، على ما يمكن تسميته بـ “هدنة مؤقتة”. لم تكن هناك أوهام بأن تسود القمة أجواء من “الثقة”، ولم يتوقع أحد بأن تسفر القمة عن أي قرارات “تاريخية” أو “مصيرية” توقف قطار المواجهة، أو تحوّل وجهته. وهذا ما كان.

اتفق الطرفان على ضرورة العودة إلى قضية “الاستقرار الاستراتيجي” التي تعني كوكب الأرض بأسره. ومن أجل ذلك لابد من عودة الحوار، ولبدء الحوار لابد من إجراءات عملية تراكمية لبناء الثقة، لأن الثقة لا زالت معدومة أو شبه معدومة. وهو ما ينبغي العمل عليه، وأرى أنه على كل ذي ضمير حول العالم أن يسعى لرأب هذا الصدع لمصلحة الجميع، خاصة لمصلحة الشعوب الضعيفة والفقيرة، التي تعاني ويلات الحروب والأزمات والصراعات، بينما تتفنن القوى المحلية الداخلية في اللعب على الخلافات الدولية، ومحاولة الاستفادة منها، وخاصة الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

لقد كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قبيل القمة في أدنى مستوياتها منذ عقود، وعلى جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعلوماتية. كانت هناك حرب هجينة تشن ضد روسيا والدول المحيطة بها، أتوقع أن تشملها التهدئة التي تم التوصل إليها بين الوفدين الروسي والأمريكي، والتي سوف تستمر لستة أشهر على الأقل.

خلال هذا الوقت، سيناقش الطرفان القضايا الحادة والملحّة على مستوى الخبراء في مجالات الاقتصاد والمجالات العسكرية والدبلوماسية وغيرها. سيلتقون ويتحدثون إلى بعضهم البعض، بحثاً عن طريقة للخروج من الدائرة المفرغة التي يسود فيها انعدام الثقة وسوف الفهم بين البلدين.

تجدر الإشادة هنا بالمسؤولية الرفيعة والحنكة الدبلوماسية التي ظهرت بها القيادة الروسية في إدارتها لملفات التفاوض، حينما كان من الواضح أن الجانب الأمريكي يفتقد الإجابات المقنعة حول أسباب المشكلات التي نشأت في العلاقات الثنائية بين البلدين. وبينما كان لدى الروس الحجج المنطقية والقاطعة، إلا أنهم لم يلقوا بالاً، ولم يلجأوا لاستخدام ذلك كورقة للمساومة، وإنما في المقابل اقترح الرئيس الروسي تنظيم اجتماعات للمتخصصين في كل مجال محدد بعينه للتوصل إلى حلول، بدلاً من البحث عن الأسباب.

لقد استشعرت القيادة الروسية من الجانب الأمريكي اهتماماً بالبحث عن حلول لمشاكل إقليمية مختلفة، بما في ذلك المتعلّقة بالصراعات والأزمات حول العالم، ذلك أن حل هذه القضايا سوف يخفف من معاناة ملايين البشر.

في أفغانستان، حددت الإدارة الأمريكية موعداً نهائياً لانسحاب قواتها من أفغانستان في 11 سبتمبر 2021، تزامناً مع الذكرى العشرين لهجوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والذي شكّلت بعده الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب، استمر لعقدين من الزمان، في حرب ضروس مع تنظيم القاعدة المرتبط بحكومة طالبان، تسببت في ضحايا بعشرات الآلاف، بما في ذلك من المدنيين العزل، وتكلفة قدرها يقترب من تريليون دولار أمريكي.

لقد شنّت الولايات المتحدة الأمريكية حربها على الإرهاب في أفغانستان بتحالف قامت بتشكيله بعيداً عن هيئة الأمم المتحدة، ضمّ ساعتها في البداية بريطانيا وقوات التحالف الأفغاني الشمالي، الذي كان عبارة عن مجموعة من القوات الأفغانية المختلفة المعارضة لحكومة طالبان الإسلامية. انضم لذلك التحالف فيما بعد قوات من ألمانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وباكستان وبولندا وكوريا الجنوبية.

اليوم، وبعد مرور كل هذه السنوات، وبينما لا تزال حركة طالبان موجودة على الأرض، يتم التفاوض معها، ومع وجود مشكلات إنسانية ضخمة، ودمار شامل للبنى التحتية، يتعيّن في النهاية العودة لهيئة الأمم المتحدة، واستخلاص العبر من هذا الدرس البليغ لتفرّد قوة عالمية واحدة مهيمنة باتخاذ القرار، وتشكيل التحالف، والشروع في الهجوم. إننا اليوم بحاجة إلى قنوات دولية تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان على العودة إلى الحياة الطبيعية.

روسيا تجد ذلك هاماً للغاية، لما تشكّله الجماعات الإرهابية العاملة على الأراضي الأفغانية من خطورة، وما يمكن أن تشكله الفوضى، التي ستحل بعد خروج القوات الأمريكية، من ظروف تمثّل تربة خصبة للإرهاب ومعسكرات التدريب وتسريب الأموال والسلاح والمخدرات، لتصدير الإرهاب عبر الحدود لجميع أنحاء العالم.

لهذا فإن تلك قضية تهم المجتمع الدولي بأسره، لا أفغانستان أو الغرب أو الشرق الأوسط فحسب. كذلك لابد وأن يكون نصيب الولايات المتحدة من إعادة إعمار أفغانستان النصيب الأكبر، لما تسببت فيه خلال العقدين الماضيين دون نتيجة تذكر.

لم تحظ “الجولة الثانية” من الحرب على الإرهاب تحت مسمى “غزو العراق” عام 2003، بنفس الإجماع الذي حصلت عليه الجولة الأولى، حيث ساندت الولايات المتحدة في ذلك كل من بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية وبولندا وأستراليا. بينما عارضت كل من كندا وألمانيا وفرنسا وباكستان ونيوزيلندا. حدث هذا أيضاً بعيداً عن إجماع هيئة الأمم المتحدة.

يعاني العراق من مشكلات كبيرة، لعل أهمها الفساد الإداري، والمحاصصة الطائفية والعرقية، وهو ما يدفع المواطنين العراقيين، في واحدة من أغنى الدول بالموارد الطبيعية، إلى حافة الجوع والفقر والعوز. وتحافظ روسيا في هذا البلد العريق على علاقات جيدة مع مختلف القوى السياسية العراقية، ولعل ذلك ما يميزها عن الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الملف.

وعلى الرغم من أن رحيل القوات الأمريكية من الأراضي العراقية هو مطلب شعبي، إلا أن تلبيته ستتسبب في اندلاع مواجهات بين قوى سياسية متناحرة، يمكن أن يدفع بالبلاد نحو الهاوية. لهذا يجب هنا أيضاً العودة إلى هيئة الأمم المتحدة، والاسترشاد بالقوانين الدولية، واحترام سيادة الدول، ووحدة أراضيها.

لا شك أن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإيرانية خلفاً لحسن روحاني سيلقي بظلاله على العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وعلاقة الأخيرة بالمنطقة، وسير عملية التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني، إلا أن الإيرانيين والأمريكيين والروس بإمكانهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وحل القضايا العالقة دون ضغوط خارجية أو إملاءات. فالقادة الإيرانيون، كما تعوّدنا، لا يقبلون الإملاءات، وتلك طبيعتهم الوطنية، لذلك يتعيّن أخذ ذلك في الاعتبار. ولم ولن تفضي سياسة تشديد العقوبات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب إلى أية نتائج، بل إنها عادة ما تفضي إلى نتائج عكسية.

فيما يخص الملف السوري، فلا ترغب الولايات المتحدة الأمريكية تقديم مساعدات إنسانية للشعب السوري من خلال الحكومة الرسمية. يقولون إنهم لا يعتقدون أنها ستصل إلى المواطنين العاديين، بل ستصل إلى النظام ومقربيه وأتباعه. من جانبها، ترى روسيا أن الرئيس السوري، بشار الأسد هو الرئيس المنتخب، لذلك يتعيّن على الدول التعامل معه، وهو ما يتماشى مع المعايير الدولية.

لقد وقعت الولايات المتحدة الأمريكية تحت تأثير البعض، عام 2014، ممن توهّموا وأوهموها بأنه من الممكن التخلّص من الأسد بنفس الآلية التي تم التخلص بها من رؤساء آخرين في المنطقة، من خلال المظاهرات، أو حتى من خلال بعض الانشقاقات داخل الجيش الوطني، وتشكيل تنظيمات وألوية قادرة على مواجهة الدولة. لكن ذلك لم ينجح. لماذا؟
لأن أحداً لم يتمكن من استيعاب حقيقة أن الرئيس الحالي للجمهورية العربية السورية، بشار الأسد، لديه قاعدة جماهيرية لا تقل عن 6 مليون مؤيد بشكل حاسم، من بينهم ما لا يقل عن 1.5 مليون يمثلون الجيش والأجهزة الخاصة والشعب المنظم والمسلّح جيداً. وكل هؤلاء سوف يدافعون عن بلادهم وعن مواقفهم بكل شراسة حتى النهاية، وهذا تحديداً ما حدث على مدار السنوات العشر الماضية.

لهذا، فإن أي محاولة للإطاحة بالنظام، باستخدام القوة، لن تؤدي سوى إلى حرب أهلية واسعة النطاق، يمكن أن تدمّر دمشق وحلب وتدمر ومدن سورية أخرى. نعم، كانت هناك حرب أهلية دموية، ومأساة مفجعة، إلا أن ما يمكن أن يحدث، حال استخدام القوة للإطاحة بالنظام الحالي، أفظع من ذلك بكثير، وأتمنى أن يصدقني الجميع في ذلك.

لهذا، لا توجد قوة أخرى منظّمة في سوريا لديها 10% مما لدى القوة الموجودة والمسيطرة على البلاد في الوقت الراهن. ووقوع الولايات المتحدة الأمريكية تحت تأثير بعض دول الخليج وجماعات المعارضة، هو ما عزّز تلك الصورة الوهمية بأن “قليلاً من الدعم” يكفي للإطاحة بـ “نظام الأسد”.

كذلك، فقد اكتسب السوريون خبرات جديدة على مدار العقد الماضي، من خلال الحرب، ولم تعد حتى حروب المعلومات قادرة على التأثير، لما فقدته تلك الحروب من مصداقية، خلال الاتهامات الزائفة باستخدام الأسلحة الكيماوية، والتي تم تدميرها في سوريا بناء على طلب الجانب الروسي، لا بسبب الأسد، وإنما من أجل منع وقوعها في أيدي المنظمات المصنفة إرهابية.

إن الخروج من الأزمة السورية لن يتحقق سوى بالالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254، خاصة فيما يتعلق ببند الحوار بين طرفي النظام والمعارضة، وعملية الانتقال السياسي، على أساس التوافق بين الطرفين، والتوصل إلى تعديل أو تغيير دستوري، وتشكيل هيئة انتقالية تشرف على عملية الانتقال السياسي بوجود النظام الحالي ومؤسسات الدولة التي تمثل السيادة السورية وتقوم بعملية التغيير السياسي السلمي السوري السوري دون إملاءات خارجية، وبوجود مراقبين من هيئة الأمم المتحدة.

لهذا السبب كان من المهم للغاية بالنسبة للمختصين الروس والأمريكيين في سوريا، وممثلي وزارتي الدفاع والخارجية من الطرفين الاجتماع مع بعضهم البعض، حتى يسمح لهم ذلك بالتوصل إلى فهم كامل وعميق للوضع. وأعتقد أن بإمكاننا إيجاد لغة مشتركة مع الجانب الأمريكي بهذا الصدد. وهو ما يمكن أن يفتح الباب نحو إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري. إن ما يلزم من أجل استعادة الاقتصاد السوري لا يقل عن 350 مليار دولار.

بحسب معلوماتنا المتواضعة، فقد تم استثمار حوالي 157 مليار دولار في تدمير سوريا. ولا يمكن تخيل كم المليارات التي أنفقها الناتو في توسعه نحو الشرق، وضم دول أوروبا الشرقية دولة وراء الأخرى. أليس من المؤسف أن تنفق تلك المبالغ الضخمة على الحرب، بينما تمنع المساعدات الإنسانية عن البسطاء لتخفيف معاناتهم، التي تسببت فيها مشاريع التغيير الفاشلة؟ أعتقد أنه من واجب الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك دول الخليج الغنية وبعض الدول الأوروبية، ممن شاركوا جميعاً في إيصال سوريا إلى ما أصبحت عليه، أن يساهموا في إعادة إعمار البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، فلدى سوريا من الموارد الداخلية الخاصة ما يمكن أن يساهم في ذلك، شريطة أن ترفع العقوبات عن سوريا، لتتمكن من استخدام نفطها بدلاً من تهريبه وبيعه في السوق السوداء. آمل أن يتمكن الأمريكيون من إدراك أهمية تنفيذ القرار 2254 على وجه السرعة.

تتمسك روسيا بضرورة عودة الأطراف اليمينية المتصارعة إلى طاولة الحوار، وللتوصل إلى ذلك على الجميع العودة إلى هيئة الأمم المتحدة. لسوء الحظ، فضّلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الحرب اليمينية الوقوف إلى جانب أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر. وبمرور السنوات، أدرك الأمريكيون استحالة هزيمة أي من هذه الأطراف.

في الوقت نفسه، ونتيجة لهذه الحرب، وجد ملايين الأشخاص أنفسهم في العراء بلا طعام أو دواء، ودون الحد الأدنى من متطلبات المعيشة الآدمية. وهو ما يسبب قلقاً عميقاً لدى جميع دول الخليج، لا سيما المتاخمين لليمن، مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

على الجانب الآخر، وعلى الشواطئ الشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط، تعاني “سويسرا الشرق الأوسط”/لبنان من أخطر كارثة إنسانية تهددها، ليس في الأشهر بل في الأيام المقبلة. وبينما تتصل لبنان بسوريا بشريان حياة لا ينقطع، أصبحت الأزمة السورية مصدراً إضافياً للمشكلات اللبنانية، لا سيما المشكلات الخاصة بالحصار الاقتصادي، ومشكلات اللاجئين، وغيرها.

كان الاقتصاد اللبناني يعتمد إلى حد كبير على النظام المصرفي الذي انهار. وفقد المواطنون كل مدخراتهم، وانخفضت قيمة العملة الوطنية، ولم يعد هناك توافق في المشهد السياسي الداخلي، وهو ما تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية حالياً للضغط على حزب الله، وبالتالي الضغط على سوريا. وذلك ينذر بحرب أهلية وشيكة في البلاد.

لهذا فإن الحل الوحيد للخروج من الأزمة اللبنانية هو ما تم اقتراحه العام الماضي من إنشاء حكومة اختصاصيين، غير ممثلين عن أي أحزاب أو عشائر أو أقارب. وقد تم تسمية رئيس الوزراء المكلّف وهو رئيس وزراء لبنان الأسبق، سعد الحريري، وهو ما لا أرى بديلاً مناسباً عنه، والمرشح الأكثر قبولاً من غالبية المواطنين والقوى المختلفة، وابن رئيس الوزراء الراحل الذي تم اغتياله عام 2005. إن حكومة الأزمة من الاختصاصيين هي وحدها القادرة على انتشال البلاد من أزمتها، وستكون قادرة على الاعتماد على مساعدات صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي بأسره.

إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيق تشكيل مثل هذه الحكومة. ربما يساعد تعاون روسيا مع الولايات المتحدة في حلحلة هذه القضية، أظن أن الاتفاق بين البلدين بهذا الشأن يمكن أن يحل الأزمة اللبنانية في ظرف 24 ساعة.

في ليبيا، يختلف الجميع فيما بينهم، دون أن تكون هناك رؤية واضحة إلى أين تتجه الأمور. يسعى البعض إلى تأجيل الانتخابات، بينما يسعى البعض الآخر، تحت التأثير الأمريكي والبريطاني والفرنسي إلى إتمام الانتخابات بأي حال من الأحوال في ديسمبر، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية لفرض الرئيس “المناسب لها”، على خلفية تضاؤل دور هيئة الأمم المتحدة في التوصل لاتفاق جامع بين الليبيين.

لقد نجحت روسيا وتركيا، التي لعبت دوراً مهماً للغاية، في تحقيق وقف إطلاق للنار في ليبيا، في وقت سابق، بسبب العلاقات الجيدة التي تتمتع بها روسيا مع جميع الأطراف في الأزمة الليبية. ألا أن ما ينبغي الالتفات إيه هو أن ليبيا تتألف من حوالي 40% من العشائر والقبائل المرتبطين بزعيم الثورة الليبية الراحل، الرئيس الأسبق لليبيا، معمر القذافي.

وتلك نسبة لا ينبغي تجاهلها، بل يجب التعامل معها كمكوّن طبيعي من مكونات الأمة الليبية. ودون هؤلاء لن تتحقق المصالحة الليبية، وأملي كبير في أن يستمع الأمريكيون إلى ما يقوله متخصصونا في الشأن الليبي حول هذه القضية.

فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد اتضحت حقائق غير قابلة للنقاش، وخطوط حمراء يستحيل تجاوزها.

فلن يوافق الفلسطينيون أبداً على قرار الأمريكيين الاعتراف بهضبة الجولان أرضاً إسرائيلية أو بالقدس عاصمة لإسرائيل. مثل هذه القرارات، التي يمنح بموجبها من “لا يملك” من “لا يستحق”، علاوة على ما يسمى بـ “صفقة القرن”، التي روج لها دونالد ترامب وصهره بكل حماس ونشاط، لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.

بل أدّت تلك الإجراءات إلى تفاقم وتعقيد الوضع في المنطقة، في الوقت الذي تتعارض فيه مع القوانين والأعراف الدولية، وكذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وجميع قرارات هيئة الأمم المتحدة، علاوة على مفاهيم سيادة الدول واحترام حدودها.

لم ولن يكون السبيل لحل الصراع العربي الإسرائيلي أبداً من خلال مثل هذه المؤامرات والموائمات والاتفاقات في الغرف السرية وفي الظلام. مرة أخرى أكرر، لن تمرّ “صفقة القرن”. ويجب استعادة دور اللجنة الرباعية الخاصة بالتسوية في الشرق الأوسط (هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية)، وتطبيق كافة قرارات هيئة الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والعودة إلى حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية داخل حدود الرابع من يونيو حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

لا توجد وسيلة أخرى، وروسيا تدعم هذا الموقف، وهناك جو متفائل بقبول من جهة الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الموقف من القضية الفلسطينية. فما يتضح من تصرفات الإدارة الجديدة برئاسة بايدن، يختلف اختلافاً جذرياً عن تصرفات الرئيس السابق، دونالد ترامب. من ذلك ما أصدره بايدن لوزير خارجيته بقبول تبادل وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وقطاع غزة.

إلا أن المشكلة الفلسطينية الداخلية لا زالت محلك سر. فالانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة لا زال قائماً، وعلى الرغم من دعوة روسيا للفلسطينيين مراراً وتكراراً إلى موسكو، لتجاوز خلافاتهم واستعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، إلا أن هذه الدعوات لم تلاقي آذاناً صاغيةً بعد. لهذا السبب، لغياب منظمة التحرير الفلسطينية، يصبح موقف روسيا في المفاوضات من أجل القضية الفلسطينية مع الولايات المتحدة الأمريكية ضعيفاً. فمن السهل دائماً إخراج فلسطين من المشاركة في عمليات هامة، بذريعة عدم وجود من يمثلها شرعياً على المستوى الدولي.

إن روسيا تعمل على جميع المحاور بمفردها، ولا تلجأ إلى الكثير من المنظمات والتكتلات التي يمكن أن تمثّل “ثقلاً” سياسياً في مواجهة الغرب. على سبيل المثال، وعلى الرغم من لقاء جو بايدن أولاً بممثلي الاتحاد الأوروبي، ثم الناتو، عشية القمة مع بوتين، لم يلتق بوتين بالصين أو بمجموعة “بريكس” أو بأي من التجمعات الأوراسية التي تضم دول جنوب شرق آسيا، كشكل من أشكال “تكثيف المواجهة”.

بل تصرفت روسيا بحكمة، ولم ولا تفكر، حتى اللحظة، في إنشاء تحالف “عسكري” مع الصين على سبيل المثال. ذلك أن روسيا لا ترغب ولا تعتزم تهديد أحد، وإنما تدافع عن حدودها الشرعية وفقاً للقواعد والمعايير الدولية، وهو ما يتعيّن على الولايات المتحدة وأوروبا أن تدركه تمام الإدراك.

حول الاجتماع بين بوتين وبايدن، وقبله وبعده، دارت الكثير من الأقاويل والرؤى والتحليلات، خاصة فيما يتعلق بالحديث الذي أدلى به بوتين لمذيع قناة “إن بي سي”، كير سيمونز، حينما عاود المذيع توجيه “الاتهام” للرئيس الروسي بأنه “قاتل”، على لسان الرئيس الأمريكي، ثم تعمّد تكرار اسم المعارض الروسي، أليكسي نافالني، باستفزاز يكاد يصل إلى حد الوقاحة. لم يكن من الرئيس الروسي، من موقعه كرئيس لدولة عظمى، وبخبرته كسياسي محنك، سوى أن أجاب بما تقتضيه قواعد اللياقة والدبلوماسية والاحترافية الشديدة.

كان بوتين، حرفياً، كمن يرسم بريشة حادة، قواعد السياسية الدولية التي تلتزم بها روسيا، دون أن تلتفت إلى صغائر الأحداث، وصغائر الاستفزازات، التي يتعمد الغرب إثارتها، لإخراج الدب الروسي عن هدوئه الحكيم، الذي تمكن بفضله من تجنّب حرب طويلة ومرهقة في القاراباغ منذ أشهر، وحرب استنزافية مستدامة في أوكرانيا، وسباق للتسلح وحرب باردة مع الناتو، وبدلاً من ذلك، حصل على هدنة، بطلب أمريكي، قد تتغير خلالها المواقف والأحداث والتموضع نحو عالم أفضل وأكثر أماناً للجميع.

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى