دولي

الشرخ السنّي الشيعي ومسرحية شيطنة إيران

الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر

تتصاعد الآن وتيرة عملية ممنهجة لشيطنة إيران تمهيداً لما يمكن أن يصبح عود الكبريت الذي قد يشعل النار في برميل البارود الذي يهدد المنطقة بأسرها.
دعونا نتابع بعضاً من عناوين الأنباء التي صدرت في الأيام الأخيرة لنتأكد بأم أعيننا أن ما يحدث اليوم من احتقان سنّي شيعي في لبنان، وكذللك في العراق وسورية واليمن ليست سوى محاولات لتعميق الشرخ بين السنة والشيعة في المنطقة، ذلك الشرخ المزمن الذي تستفيد منه إسرائيل أكثر من أي دولة أخرى، خاصة مع الدعاوى التي تنتشر الآن كما النار في الهشيم، والتي تصوّر “ابن العم”، كما تقول كتب التاريخ والرسالات السماوية، و”واحة الديمقراطية في العالم العربي”، و”المبعوث الرسمي لرسول الديمقراطية إلى المنطقة، الولايات المتحدة الأمريكية”، صديقاً ودوداً حميماً مسالماً، يقف إلى جانب العرب السنّة من أبناء محور الهلال السني، أمام “التغوّل الشيعي” لإيران و”تدخلها” في شؤون دول المنطقة، و”التغيير الديموغرافي” الذي تحدثه في مناطق سورية وعراقية بأكملها لصالح المكوّن الشيعي في المنطقة، بواسطة “ميليشيات إيرانية” أو موالية لإيران.
“القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية “سينتكوم” تؤكد أن استنتاجات الخبراء تشير إلى أن الطائرة المسيّرة، التي استخدمت لاستهداف ناقلة “ميرسر ستريت” في خليج عمان كانت إيرانية الصنع”.
“أفاد وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع G7، في بيان مشترك، يوم أمس الجمعة، بأن كل الأدلة المتاحة تشير إلى “مسؤولية إيران عن الهجوم” على السفينة المذكورة”.
كذلك حمّلت المندوبة البريطانية لدى مجلس الأمن إيران مسؤولية الهجوم على السفينة، وقالت إن ما تقوم به إيران يشكل “تهديداً للأمن والسلم الدوليين”.
من جانبه، أعلن أحد الأمراء من العائلة السعودية المالكة، في حوار مع صحيفة “عكاظ” السعودية، عن أن “الحياد في القضايا العربية خيانة”، خاصة إذا ما تعلّق الأمر باعتداء دول ليست عربية، وأشار إلى ضرورة أن يكون هناك دور قوي لجامعة الدول العربية في مجابهة سلوك إيران في المنطقة والذي يقوم على “الحقد الفارسي ضد العرب، والمطامع الإيرانية في المنطقة، واستخدام الطائفية من أجل التغلغل في المنطقة العربية وإيجاد موطئ قدم لتنفيذ أحقادهم، وتحقيق مطامعهم”.
في سياق مواز، ورداً على الجولة الثانية من القصف المتبادل عبر الحدود بين لبنان وإسرائيل، وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، تحذيراً إلى لبنان: “لا ننوي السماح لـ (حزب الله) بالعبث بنا، وهو يعلم ذلك. ووضع لبنان هش، وبإمكاننا أن نزيده هشاشة”، ونصح بألّا “يختبر” الحزب والجيش اللبناني والحكومة اللبنانية دولة إسرائيل.
كذلك أكّد رئيس حزب “الكتائب اللبنانية”، سامي الجميل، عبر تغريدة له في صفحته على موقع “تويتر” على الرفض المطلق لممارسات “حزب الله”، الذي “ينفذ أجندات أيديولوجية لا تمت بصلة إلى مصلحة اللبنانيين”، وتعرض أمنهم إلى الخطر عبر مغامرات تحت الطلب، في ظل سكوت مريب لأركان الدولة.
من هنا يصبح سيل الأخبار الكاذبة والفيديوهات المشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت منطقياً، حينما يتم عمداً وبمنهجية واضحة ومفتعلة تضخيم حجم مشاركة الإيرانيين في مشكلات المنطقة، بما في ذلك ادعاء أن الفرقة الرابعة للجيش السوري وغيرها من الألوية إيرانية، وكذلك عناوين الأخبار على شاكلة “الميليشيات الشيعية الطائفية تستهدف بيوت الله”.
وبدلاً من أن يبدأ الحوار السوري السوري للعمل على إنهاء مأساة الشعب، والشروع في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، تتحول القضية الأساسية في سوريا إلى محاربة إيران وتقليم أظافرها، والحد من النفوذ الإيراني على نفس الطريقة التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بعد أن أحكموا الطوق الاقتصادي على الدولة السورية من خلال العقوبات غير الإنسانية على الشعب السوري.
إن هذه الأنباء والتصريحات والحملة السياسية والإعلامية الممنهجة التي تستمر لسنوات، لكنها تتصاعد اليوم بوتيرة مريبة، تهدف إلى تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، لنقل القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق إلى قواعدها في الدول العربية الغنية، والتي تتكفل بجميع المصاريف، وتدشن الحملات الإعلامية الضخمة لتعميق الشرخ السني الشيعي في العالم الإسلامي، وإفشال أي تقدم أو جهود سواء لهيئة الأمم المتحدة أو غيرها لحل الأزمات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا.
وليس الاعتداء على ناقلة “ميرسر ستريت” في خليج عمان سوى مسرحية هزلية مفضوحة لتمهيد خشبة المسرح في الشرق الأوسط لعمل عدائي ضد إيران، ربما قد تنفّذه القوة المارقة والوقحة التي تضرب بمبادئ القانون الدولي عرض الحائط، وتتحدى الشرعية الدولية باحتلالها الجولان وجنوب لبنان وتوسعاتها الاستيطانية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعديها على القدس وتهجيرها للسكان وحصارها لغزة والقائمة تمتد لكن المقام لا يحتمل.
تتوازى تلك الحملة مع عرقلة البدء بالمسار السياسي لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، كما تتوازى مع عدم تشكيل حكومة اختصاصيين في لبنان، كما سعى إليها رئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، وكذلك تصعيد التوتر العسكري في جنوب لبنان وجنوب سوريا، وهو ما يهدف جميعاً إلى عرقلة التوصل إلى اتفاق دولي بشأن الملف النووي الإيراني، وإلهاء المنطقة بصراع سني شيعي.
مع شديد الأسف، ننجر نحن العرب بكل سهولة لمثل تلك الحملات، ولمثل تلك المسرحيات، التي تتماشى قبل أي شيء مع أهداف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولعل الدليل الأكبر على ذلك هو السيل المنهمر من عناوين الأنباء التي توالت في الأيام الأخيرة، والتي تنذر بعواقب وخيمة، ما لم تنتبه الدول العربية إلى ما يتم نصبه لها من شرك.
أعود وأكرر أن الدور الأساسي يجب أن تلعبه جامعة الدول العربية، في لم شمل الأمة، والقيام بالدور المنوط بها، إسهاماً في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السوريين أو اللبنانيين أو الفلسطينيين أو الليبيين، بدلاً من ترك ذلك الدور لفرنسا أو لألمانيا أو لغيرهما من الدول الأوروبية، التي ربما لا تدرك أبعاد قضايا المنطقة بنفس القدر الذي نستطيع به نحن العرب الإلمام بها.
أؤكد كذلك أنه كلما ازداد عداؤنا لإيران، وتعمّق الشرخ في العالم الإسلامي بين الشيعة والسنة، كلما ابتعدنا عن تحرير فلسطين والجولان، وعن حل أزمات الدول العربية. فمنطقتنا العربية غنية بكل الموارد اللازمة لتصبح أفضل مكان على وجه الأرض، وليس أدل على ذلك من كم الحضارات والثقافات والديانات التي سكنت هذه المنطقة على مدار التاريخ. إنها منطقة جاذبة للسكان، بتنوعها المناخي والطبيعي وموقعها الاستراتيجي في سرة العالم، ولا أرى أي سبب من الأسباب يجعل هذه المنطقة تمر بهذا الكم المرعب من الأزمات والصراعات والحروب الأهلية، سوى أن المطامع والمصالح تتقاطع في هذه المنطقة، باستخدام “الكوادر” المحلية في الإبقاء على هذه المنطقة مشتعلة، بل وإضرام المزيد من النيران فيها على غرار ما يحدث الآن مع إيران.
إن روسيا من جانبها تسعى دائماً، وتعمل جاهدةً على تطبيع العلاقات بين جميع دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران. وتأمل موسكو أن تتم معالجة كل القضايا العالقة بين الأطراف عن طريق الحوار، وأن يتحلّى السياسيون ورجال الدين من القائمين على السلطة في تلك البلدان، والمؤثرين في وسائل الإعلام، بروح المسؤولية في توعية المجتمع والحفاظ عليه من السقوط في هوة التطرف الذي تروج له بعض الجهات، وبعض رجال الدين، ممن يسعون لفرض وتوسيع معتقداتهم ومذاهبهم الدينية على الآخرين.
أعتقد أنه من العبث أن يستمر استخدام الدين كسلاح للتمدد والتوسع وشيطنة البلدان والمجتمعات وحشدها ضد بعضها البعض. ومن العبث كذلك أن تتحالف بعض الدول العربية المسلمة مع إسرائيل، خاصة في ظل هذه الظروف، ضد دولة مسلمة كبرى بحجم إيران، حتى وصل الأمر لتوقيع مذكرة تفاهم بين إحدى الدول العربية وإسرائيل، في فندق بمدينة القدس، لـ “تعزيز التعاون بينهما” في مجال البحوث التي تساعد البلدين في “مكافحة إيران في حرب الأفكار”.
فهل آن أوان الاستيقاظ من هذا الكابوس المزعج، وبدء حوار مثمر بناء مع جارتنا الشرقية، بدلاً من الاستثمار في الحوار مع المحتل الغاصب، وفي أوهام صفقات لن تمر.. أم أن الأوان قد فات؟

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى