ايران

ممثل القائد الخامنئي في سوريا السيّد الطبطبائي بخطبة الجمعة: نفحات إلهيّة من شهر شعبان

توصية بتقوی الله عزوجل
عباد الله ! أوصيکم و نفسي بتقوی الله و اتباع أمره و نهيه و أحذركم من عقابه.
الموضوع: نفحات إلهيّة من شهر شعبان
لو سُئِلْنا عن الفرَقِ بين المتفوِّقين في الحياةِ وغيرِهِم من البشر، لاختلَفت الإجاباتُ تبَعاً لزاوية الرؤية والنظر. فبعضٌ يرى في الاجتهادِ والتعبِ معياراً، وآخرون يركِّزون على الذكاء والعبقريّةِ مقياساً، بينما يشير البقيّة للظروف المحيطةِ مؤشِّراً. لكنّهم متّفقون على أمرٍ واحدٍ وهو أهمّيّة استثمار الوقت في تحقيق الإنجازات؛ إذ في عالمِ النخبة والصفوةِ تلعب الثواني والدقائق دوراً حاسماً في تقرير المصير. وكم قرأنا في سِيَر العظماء والعلماء والنوابغِ أنّهم حريصين على تنظيم أوقاتهم كي يستثمروها في ما تفيدُهم حتى آخرِ لحظةٍ. ولو جمعَتهم خصلةٌ واحدةٌ لكانت استيقاظهم باكراً، حتى نُسِبَ إلى أحدهم قوله: كيف يتوقّع التفوّقَ من يبدأ يومَه في الساعة السادسة صباحاً، أن يتجاوزَ منافسه الذي يستيقظُ في الرابعةِ فجراً؟ هذا في الأمور الدنيوية والمادّية، فكيف فيها والشؤون المعنويّة والروحيّة معاً وهي أساسُ ارتقاء الإنسان؟
ولنا في رسولنا الأمين أعظمُ أسوةٍ، ألا تسمعون إلى خطاب ربّكم إياه مع بدء الدعوة: “يا أَيهَا الْمُزّمِّلُ، قُمِ الّيْلَ إِلا قَلِيلاً، نِّصفَهُ أَوِ انقُص مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً، إِنّا سنُلْقِى عَلَيْك قَوْلاً ثَقِيلاً، إِنّ نَاشِئَةَ الّيْلِ هِىَ أَشدّ وَطئاً وَ أَقْوَمُ قِيلاً، إِنّ لَك فى النهَارِ سبْحاً طوِيلاً”
والمعنى- كما يقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسيره- أن لك في النهار مشاغل كثيرة تشتغل بها مستوعبةً، لا تدع لك فراغاً تشتغل فيه بالتوجه التام إلى ربك والانقطاع إليه بذكره فعليك بالليل والصلاة فيه.
سبحان الله! كانت هذه حال رسول الله (ص) وهو الذي غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فما حالُنا اليومَ؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله. بأيّ شيئٍ يقضي الناسُ نهاراتِهم وليالَهم وقد مضى أكثر شهر رجب ولم يبقَ منه اليومُ أو الغدُ قبلَ أن يتصرّم؟ ونحن نعلمُ أنّه من أفضل الشهور وقد رغّب فيه المعصومون (ع) لأداء أفضل الأعمال حتى آخر لحظاته، ولا سيّما الصومَ:
فعن الحسين بن يزيد عن علي بن سالم عن أبيه قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في رجب وقد بقيت أيام فلما نظر إلى قال لي: يا سالم! هل صمت في هذا الشهر شيئا؟ قلت: لا والله! يا ابن رسول الله!
قال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل. إن هذا الشهر قد فضله الله وعظم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته.
قال: قلت له يا ابن رسول الله فإن صمت مما بقي شيئاً، هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟
فقال: “يا سالم! من صام يوماً من آخر هذا الشهر، كان ذلك أماناً له من شدة سكرات الموت وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر. ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط. ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده وأعطيَ براءةً من النار”.
فاللهَ, اللهَ! يا عبادَ الله! بتدارُك ما فات قبل أن يَفجَأَكم الأجلُ. واشكروه أن شرَّع لكم أبواب الأوْبة والرجوعِ إليه كي تلجؤوا إلى موطن جوده وكرمه غير يائسين من رحمته وكرمه ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.
وأنتم مقبلون على محطّةٍ إلهيّة أخرى للتعرّض لنفحاته. إنّه شهر شعبان الذي سأكتفي باستعراض ما روي عن معصومينا (ع) في فضله لتستعدّوا لاستقباله أفضلَ استعدادٍ؛ فقد روى الشيخ الصدوق (ره) في أماليه وثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى النَّبِيِّ ص‌ وَ قَدْ تَذَاكَرَ أَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فَضَائِلَ شَعْبَانَ فَقَالَ (ص):
” شَهْرٌ شَرِيفٌ وَ هُوَ شَهْرِي وَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ تُعَظِّمُهُ وَ تَعْرِفُ حَقَّهُ وَ هُوَ شَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ أَرْزَاقُ الْعِبَادِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ وَ تُزَيَّنُ فِيهِ الْجِنَانُ وَ إِنَّمَا سُمِّيَ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ يَتَشَعَّبُ فِيهِ أَرْزَاقُ الْمُؤْمِنِينَ وَ هُوَ شَهْرُ الْعَمَلِ فِيهِ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِينَ وَ السَّيِّئَةُ مَحْطُوطَةٌ وَ الذَّنْبُ مَغْفُورٌ وَ الْحَسَنَةُ مَقْبُولَةٌ وَ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ يُبَاهِي بِهِ لِعِبَادِهِ وَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَّامِهِ وَ قُوَّامِهِ فَيُبَاهِي بِهِمْ حَمَلَةَ الْعَرْشِ”.
فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْ لَنَا شَيْئاً مِنْ فَضَائِلِهِ لِنَزْدَادَ رَغْبَةً فِي صِيَامِهِ وَ قِيَامِهِ وَ لِنَجْتَهِدَ لِلْجَلِيلِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ؟

فَقَالَ(ص): “مَنْ صَامَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَزَّ وَ جَلَّ سَبْعِينَ حَسَنَةً الْحَسَنَةُ تَعْدِلُ عِبَادَةَ سَنَةٍ”.
وروي في كِتَابِ أَلامَالِي للشخ الصدوق عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ: صِيَامُ شَعْبَانَ ذُخْرٌ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ مَا مِنْ عَبْدٍ يُكْثِرُ الصِّيَامَ فِي شَعْبَانَ إِلَّا أَصْلَحَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَ مَعِيشَتِهِ وَ كَفَاهُ شَرَّ عَدُوِّهِ وَ إِنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ لِمَنْ يَصُومُ يَوْماً مِنْ شَعْبَانَ أَنْ تَجِبَ لَهُ الْجَنَّةُ.
ألا يدعونا ذلك- يا عبادَ الله- للمبادرة إلى التعويض عمّا قصّرنا في جَنب الله، فنطرحَ عنّا رداءَ التثاقل عن القيام بالواجبات، لنُشمِّرَ عن ساعِدِ الجِدِّ في المسارعة إلى الخيرات، مستطعِمين حلاوةَ الإيمان، متذوِّقين لذّة القرب من الرحمن، استعداداً لاستقبال شهر ربّنا رمضانَ، تأسّياً بحجج الله على الإنس والجانّ؟!
وقد رُوي عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ:… فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَان.
ألا يرغبُ كلُّ واحدٍ منّا لبذل أغلى ما عنده إعانةً لرسول الله (ص)؟ فَحَيَّهلا أيها المؤمنون! وهذا نبيّكم يقول: “شعبان شهري. رحم اللّه من أعاننی علی شهري”.
ولكن كيف لنا بلوغُ ذلك الشرفِ؟
إليكم ما قاله حفيده الإمام الصادق (ع) في جواب من سأله: ما أفضَلُ ما يُفعَلُ فيهِ (شَعبانَ)؟ قال: “الصَّدَقَةُ و الإستِغفارُ”.
فعلينا و عليكم استثمار هذه النفحة الالهية لنيل مقام القرب الى الله عزوجل؟
نسأله تعالى أن يوفّقنا لأداء حقّ ربّنا وحقوق عباده في ما بقي من رجب، وشهر شعبان، ويبلِّغَنا رمضان، بكلِّ أمنٍ وأمانٍ.
أسال الله تعالى أن يوفقنا و اياكم لننهل من المعارف الدينية الحقيقية الاصيلة و وأتضرع الیه ان ياخذ بيدنا لتحصیل ما یوجب رضاه بلزوم تقواه. واستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:
الخطبة الثانية: 98\1\16 – 29رجب1440
أللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله و أمیر المومنین، و العزيزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلا و عقیلة الهاشمیین ، بنت ولی الله، و أخت ولی الله، و عمة ولی الله، زینب الکبری علیها أفضل صلوات المصلین.
أللهم وفقنا لخدمتها في هذا المکان الشریف، و هب لنا دعائها الزکي ، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.
عباد الله! أجدّد لنفسي ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.
أيها الاخوة و الأخوات!
إنّ شهر شعبانَ بنفحاته القدسيّة مناسبةٌ ليولَد الإنسانُ من جديدٍ، مزوَّداً بأسمى القِيَمِ والفضائل. وما يُعينه على ذلك تشعُّبُ تلك المحطّة الإلهيّة بمناسبات الأعياد الشعبانيّة المباركة التي سنستقبل بعضَها في قادم الأيّام، من مولد الإمام الحسین بن علي فی ثالثه ومولد أخیه قمرِ بني هاشم أبي الفضل العباس في رابعه، و مولد ابنه علي بن الحسین زین العابدین (ع) في خامسه. فيسعدني أن أتقدّم منكم جميعاً بأزكى التهاني بها سلفاً، سائلاً اللهَ العليَّ القديرَ أن يعيدها عليكم بالخير واليمن والبركات.
إنّ تلك المناسبات الشعبانيّة فرصةٌ للخير لا تُعَوَّضُ كي نختصر على أنفسنا الطريق لبلوغ أرقى الدرجات بالتوسّل إليهم قولاً وعملاً وسلوكاً، باستذكار سيرِهم العطِرة وتمَثُّلِها في حياتنا العمليّة.
وسأستعرض في البداية إجمالاً ما يناسب المقامَ من ذكر ما ورد في فضل أصحاب الذكريات حينَ الولادة لنتزوّد منها ما يأخذُ بيدنا لنولَدَ من جديدٍ اقتداءً وتأسِّياً.
روي عن ابن عبّاس أنّه قال: لمّا وُلد الحسين بن عليّ أوحى الله عزّوجلّ إلى مالكَ خازنِ النار أن أخمِدِ النيران على أهلها؛ لكرامة مولودٍ وُلد لمحمّدٍ في دار الدنيا. فأخذه جدُّه رسولُ الله (ص) وضمّه إلى صدره ثمّ قبّله، وأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وسمّاه بأمر الله تعالى حُسَيناً، وعقّ عنه كبشاً، وقال لأُمّه فاطمة صلوات الله عليها: احلقي رأسه، وتصدّقي بوزنه فضّةً.
فكانت قصّة الولادة إيذاناً بأنّ الحسين (ع) امتدادٌ لجدِّه رحمةً للعالمين منذ أن فتح عينيه على الدنيا، يُبعِدُ بنوره نيرانَ الغضب الإلهيّ عن البشر بالتمسّك بنهجه وسلوكه. وما أجملَه من تعبيرٍ ذي مغزىً حين يبدأ خطباءُ المنبر الحسينيِّ مجالسهم بمخاطبته: يا رحمة الله الواسعة! ويا باب نجاة الأمّة!

أمّا صاحب الذكرى الثانية مولانا أبو الفضل العبّاس (ع)، فيكفينا من فضله الذي سارت به الرُّكبانُ، ما جاء عن الإمام جعفر الصادق (ع) وهو يتحدث عن عمه العباس حين قال: ” كان عمنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان. جاهد مع أبي عبد الله (ع) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً”. ليختزل بهذه الكلمات النورانيّة مسيرةَ العبّاس (ع)، التي دعَت إماماً معصوماً كأخيه الحسين (ع) يخاطبه يومَ التاسع من المحرّم قائلاً: “اركب بنفسي أنت يا أخي!”.
نعم! مثلُ هذا الموقف يبيّن لنا أنّ غير المعصوم يمكن له أن ينال من المكانة ما يجعل المعصومَ يفتديه بنفسه. ولكن أتعلمون ما هو السبيل لذلك؟
إنّه الإخلاص والتسليم في سبيل العقيدة والدين، ما يجعلُ صاحبَها مستعدّاً للتضحية بكلّ ما يملك في سبيلها، حتى لَينسى هويّتَه الشخصيّةَ لِيذوبَ في المبادئ العليا التي وضعها نصْبَ عينيه؛ فيغضبُ ويرضى لها فحسبُ.
فلذلك ورد في سيرة الإمام (ع) أنه جمع أصحابه وأهل بيته ليلة عاشوراء وخطب فيه فقال: “أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً (يعني اركبوا ظلام الليل كما يركب الإنسان الجمل لينجو بنفسه) وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري”.
وقد جسّد العبّاس (ع) تلك الحقيقة حين كان يرتجز ويقول:
والله إن قـطعتم يمـيني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين
نعم! لقد علّمنا العبّاس (ع) أنّه إذا أردنا أن نولدَ من جديدٍ مسلمين “حسينيين” “عباسيين” “سجاديين”، فلنعش على ما عاشوا عليه، ولنمت على ما استشهدوا في سبيله. و منفتحين على ما عاش له الحسين والعباس و السجاد (ع)‘و علي ما استشهدوا من أجله.
ولنا في الشهداء المدافعين عن الحرم والحرُمات أعظم درسٍ، حين استجابوا لنداء الواجب حاملين أرواحَهم على أكُفِّهِم دفاعاً عن الدين والعقيدة والأرض والعِرض، متحرِّرين من كافّة القيود الاجتماعية والطبقيّة والمذهبية والعِرقية، متّحدين في رحاب القيم والمبادئ السامية، وكلُّهم يردِّد ذلك الشعارَ الخالدَ “كلّنا عباسكِ يا زينب” الذي ارتفع بمحور المقاومة وأبنائها كما ارتفع من قبلُ بقدوتهم العبّاسِ (ع) حتى حرّروا الأرض من دَنَس المعتدين التكفيريين الإرهابيين أذنابِ الاستكبار والصهيونية، ويجبروا رأس القوة العظمى في العالم على التخبُّط في قراراته بسحب قواته من المنطقة علناً.
نعم! إنّنا في محور المقاومة نعتزُّ بوضوح الرؤية وثبات الموقف والإخلاص في دعم المظلومين في مواجهة الظالمين، مهما اشتدّت الظروف، لأننا على يقينٍ بالله وانتصار الحقّ. وها هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية أبرزُ نموذجٍ على ذلك منذ انتصار ثورتها بقيادة الإمام الخميني (رض) حتى الآن بقيادة سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله)؛ فلم تتخلَّ عن القضية الفلسطينية ودعم الأشقاء في سوريا ومحور المقاومة في السرّاء والضرّاء، وستبقى متمسِّكةً بها بكلّ فخر واعتزاز حتى الانتصار النهائيِّ.
في المقابل، انظروا إلى المعسكر الآخر لتلمسوا حالةَ النفاق والتناقض والتردُّد والتخبُّط والضياع فيه. ولعلّ في القمّة العربيّة الأخيرة التي انعقدت في تونس دروساً وعبراً.
أيها المؤمنون والمؤمنات! لست هنا في معرِض استعجال الحكم على تلك القمّة لأنّها انعقدت في ظلّ غياب عدد من أعضاء الجامعة العربية، كما أنّ الكلماتِ التي ألقِيَت فيها لم تكن بنفس اللّحن، سوى بعضِ المواقفِ المكرَّرةِ من بعض الممثِّلين الذي اجترّوا اتّهاماتِهم الممجوجة التي لا أساسَ لها، والتي لا تستحقّ حتى الردَّ. ما انعكس في بيان القمة الختاميٍّ تناقضاتٍ واضحةً مضحكةً مبكيةً.
ففي الوقت الذي أدان البيان الإرهابَ، نراه يصف ضحاياه ممّن وقفوا في وجهه بداعمي الإرهاب!
وفي الوقت الذي دعم البيانُ السيادةَ السوريةَ على كامل أراضيها وحقَّها في الجولان المحتلِّ، نراه يلتزم الصمتَ تجاهَ الغاصبين!
وفي الوقت الذي أكّد البيان على دعم القضية الفلسطينية، نرى بعضاً من الدول المشاركة تجاهر علناً بالدعوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بل وتفتح خطوط اتصال معه!
وأظنّ في تلك التناقضات ما يغني عن التفصيل، لِما آل إليه الوضعُ العربيُّ نتيجةَ اتّخاذ بعضِ الأعرابِ سياسة الذلِّ والتبعيّة خدمةً لمصالحَ آنيّةٍ ضيِّقةٍ لصالح سيدهم الأمريكي، غافلين عمّا قد يجرُّه ذلك عليهم من تبِعاتٍ كارثيةٍ ترسم نهايتَهم المأساويّةَ.
وهنا، لي كلمةٌ أخيرة أوجِّهها لمن سطّر البيان الأخير نصيحةً من هذا المنبر الشريف، لأقول:
“واللهِ! لقد أرهقتُم أنفسَكم عبثاً بتلك التناقضات، لأنّكم أصررتم على إنكار حقائق التاريخ القريب قبل البعيد. ألم تُجلِبوا بخيلِكم ورَجلِكم لضرب سوريا وتصفية القضية الفلسطينية إرضاءً لسيدكم الأمريكي، وشننتم على الأولى حرباً كونيةً، وتفتحون بازاراً باسم صفقة القرن على الثانية.

فسقطتم في الأولى حتى ارتفع صياحُ سيدكم نفسِه أسفاً على التريليونات التي صُرِفَت فيها والعراق. ولا ريب أنكم ستفشلون في الثانية أيضاً. وستبقى قضيةُ فلسطين بشارةً للنصر الإلهي القادم بفضل المقاومة كما بشَّر إمامُنا الخامنئيُّ. وستبقى الجولان عربيةً سوريةً عنواناً للتحرير يجمع أبناءَ هذا البلد الصامد. وإن كانت هناك وسيلةٌ للوحدة بين الشعوب فلا حلَّ سوى المقاومةِ وحدَها؛ فهي التي يجب الرهانُ عليها وقتَ الشدائد والخطوبِ، وأثبتت نجاحَها. أمّا الرهانُ على القوى الكبرى، فهو سرابٌ يحسبه الظمآنُ ماءً.
ألم تروا موقف الأمريكان ومن معهم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حوادث السيول الأخيرة. لقد كشفوا عن وجههم القبيح حين منعوا إيصال تبرعات الإيرانيين في الخارج لأهلهم في الداخل، ناهيك عن العراقيل التي وضعوها للحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية بالرغم من عدم حاجة إيران لطلب المساعدة. ما ييبيّن للعالم كذب ادّعاءاتهم في الدفاع عن حقوق الإنسان، “قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ”. في المقابل، هبَّ أبناء محور المقاومة والأحرار في العالم للتخفيف عن آلام الشعب الإيراني مشكورين، في موقفٍ لن ينساه الشعب الإيراني أبداً”.
في الختام، إننا إذ نعزي سماحة إمامنا الخامنئي دام ظله وحكومتنا وشعبنا الأبِيَّ بضحايا السيول، نشكر ونقدِّر عالياً كلّ من وقف إلى جانبنا في هذا الامتحان الإلهي، سائلين الله تعالى أن يرحم الضحايا ويلهم ذويهم الصبر والسلوان.
فأسأل الله تعالى أن ينصر الأمة الاسلامية ومحور المقاومة والمجاهدين في كل مكان.وأسأله تعالى أن ينصر جميع الشعوب المستضعفة في مواجهة المستكبرين والصهاينة والمتصهيِنين. اللهم اغفر لنا، و لوالدینا و لمن وجب له حق علینا.
اللهم اصلح کل فاسد من امور المسلمین. اللهم لا تسلط علینا من لایرحمنا.
اللهم اید الاسلام و المسلمین، واخذل الکفار و المنافقین.
اللهم احفظ مراجعنا الدینیه لاسیما السید القائد الامام الخامنئی.
اللهم عجل لوليك الفرج و العافية و النصر واجعلنا من خير أعوانه و أنصاره و شيعته و محبيه. استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى