ايران

ما لا تعرفونه عن هجمات طهران الإرهابيّة

كثر الكلام مؤخرًا عن الدوافع الكامنة خلف الهجمات الإرهابية التي استهدفت البرلمان الإيراني ومرقد الإمام الخميني في طهران، وسيكثر الحديث في وسائل عن المسؤولين عنه, ورغم إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤولية الهجوم، إلّا أنه توجد بعض الإبهامات حول المسؤولين عنه.

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هجمات داعش السابقة في أماكن مختلفة نجد أنّ العمل هذا ليس بعمل الدولة الإسلاميّة، لأنّه عند التدقيق بالتسجيلات المصورة للمهاجمين التي تم التقاطها في الأيّام ما قبل الحادثة يتّضح أنّ أي منها لا يُرى فيها اسم تنظيم الدولة الإسلامية أو عَلَمها، وكذلك الأمر بالنسبة للفيديوهات التابعة ليوم الحادثة.

كانت قناة العربية التابعة للسعودية أول وسيلة إعلامية تبثّ الفيديو الذي أرسله المهاجمون، وبعيد ذلك قامت شبكة “أعماق” التابعة لتنظيم الدولة ببثّ هذا الفيديو نفسه، معلنةً إنّ التنظيم أعلن مسؤوليته عن الهجوم.
وفي الواقع، يوهم تكلّم المهاجمين باللغة العربية في الفيديو الذي بثّ للمهاجمين في الوسائل الإعلامية المستمع أنّهم تابعون لداعش، ومسؤولية داعش عن الهجوم أمر يسهل تصديقه.

على ذلك، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي…. إذا لم يكن داعش المسؤول عن هذه الهجمات، فلم تبنّاها؟ في معرض الجواب، نقول إنّ تنظيم الدولة الإسلامية يسعى إلى إظهار نفسه وقوّته على الصعيد الدولي، وقيامه بعمليات إرهابية في مناطق مختلفة من العالم يعدّ أحد أهدافه، بحيث يستطيع أن يظهر للعالم أنّه قادر على أن يقوم بهجوم في كل مكان بالعالم، كالهجمات التي قام بها في بلاد أوروبا، وباقي العالم. عطفًا على ذلك، يعتبر تنظيم داعش دولة إيران إحدى أهم خصومه، وهدد بمهاجمتها مرات عدة، لكنّه لم يوفّق للقيام بعمليات جدية في داخل إيران حتى الآن, ولذلك يمكن اعتبار هذه الهجمات أفضل فرصة لداعش ليستفيد منها سياسية من غير أن يدفع أي تكلفة في المقابل.

من هنا يمكننا طرح سؤال آخر، وهو من هم الذين ارتكبوا هجمات طهران إذًا؟ إنّ تنظيم “أنصار الإسلام” هو أحد التنظيمات المتطرّفة السنية الفعالة في كردستان إيران والعراق، وهو يعادي دولة إيران ولديه خلافات دينية وقومية مع الدولة الشيعية الحاكمة في إيران، وقام بعدد من العمليات ضدها. وقالت بعض المصادر المطّلعة إنّ هجمات طهران كانت على يد هذا التنظيم الذي سوف تنطرّق فيما يتبع إلى تاريخه وكيفيّة حصول هذا الهجوم.

“الملا كريكار” هو أحد الشخصيات السلفية المعروفة في منطقة حلبجة في كردستان العراق، وكان قد دخل في بيعة أسامة بن لادن في أفغانستان لأعوام كثيرة وجاهد وإيّاه سويّا. وبعد عودته إلى حلبجة شرع بترويج عقيدة السلفية الجهادية، مؤسّسًا تنظيم أنصار الإسلام الذي كان يقاتل صدام حسين، والحركتين الطالبانية والبارزانيّة في الوقت نفسه, وبعد حادثة 11 أيلول، أضاف في العام 2003 قتاله ضدّ أمريكا إلى برنامج عمله.

في مكان آخر، بعد أن ترك “أبو مصعب الزرقاوي” أفغانستان، أقام في مناطق كردستان إيران والعراق، وتتلمذ على يده أعضاء تنظيم أنصار الإسلام، الذين كان معظمهم أكراد إيرانيين وعراقيين من الطائفة السنية، في المسائل الاعتقادية والفكريّة، ولذلك فإنّ هذا التنظيم يعتبر أبي مصعب الزرقاوي أباه الروحي.

في خلال الفترة التي أقام فيها الزرقاوي في العراق، وفي شهر آب من العام 2003، أي ثلاثة أشهر بعد سقوط صدام حسين في العراق، خطط لعمليات النجف وقادها، وأدّت هذه العمليات إلى قتل السيد محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الأعلى لشيعة العراق بتاريخ 29 آب، وذلك في مقام علي، أول أئمة المسلمين الشيعة. ومن بعد ذل أسّس مجموعة باسم “تنظيم الجهاد في بلاد الرافدين”، أي فرع تنظيم القاعدة في العراق، والذي شكّل تنظيم داعش فيما بعد.

استطاع “أنصار الإسلام” في خلال فترة عمله، تحقيق أثر كبير على أكراد إيران باللحاظ الفكري والعقائدي، وأدّى إلى تشكّل تنظيم “التوحيد والجهاد”. واستطاع هذا التنظيم، عبر شروعه بالقيام بعمليات منذ بداية العام 2011، أن يفرض نفسه كلاعب جدي في ساحة التنظيمات الجهادية، بل يعتبر التنظيم الجهاديّ الأول في إيران. وبعد ظهور تنظيم داعش، بات التوحيد والجهاد يروّج لأفكاره، وذهب عدد من أعضائه للجهاد في سوريا والعراق، منضمين لصفوف داعش. إنّ التوحيد والجهاد فعال في غربي إيران وفي جوارها في العراق، ويتمتّع بدعم مالي من بعض البلاد الغنية في الشرق الأوسط التي لديها خلاف سياسي مع إيران.

المسألة الأخرى هي أنّ التنظيمات المناوئة لدولة إيران، عدا عن ارتباطها بالبلدان المناوئة لإيران، تتمتّع بعلاقات مع التنظيمات والمجموعات الأخرى ذات التوجه السياسي نفسه، بل تتعاون بين بعضها البعض، وأحد أقدمها منظّمة مجاهدي خلق التي بعد انتصار الثورة الإسلامية، اختلف أعضاؤها مع المرشد الأعلى لإيران في ذلك الزمن، آية الله الخميني، وشرعوا بمحاربة الحكم الجديد. وبهدف محاربة إيران، تقوم هذه المنظّمة بالتعاون مع كل المجموعات المخالفة لإيران، كأنصار الإسلام، وتتمتّع بدعم سياسي واجتماعي أمريكي، ودعم مالي سعودي.

قالت بعض المصادر المطّلعة إنّ ما يقارب 50 عضو من أعضاء أنصار الإسلام، وجميعهم إيرانيون ومسلمون أكراد سنّة، يتواجدون في معسكر تابع لغرفة عمليات الموك في الأردن، ويخضعون لتدريبات عسكريّة وعمليّاتيّة على يد منظّمة مجاهدي خلق، وأضحوا جاهزين للقيام بعمليات واسعة داخل الأراضي الإيرانية.

وأضافت هذه المصادر إنّ منظّمة مجاهدي خلق هي التي خططت لهذه العمليات، وقام تنظيم أنصار الإسلام بتنفيذها بمناسبة سنويّة قتل أبي مصعب الزرقاوي. لكنّ التنظيم، وبسبب إحكام إيران السيطرة على منطقة كردستان إيران والعراق، وبسبب قلقه من انتقام شديد من قبل إيران، قام بإخفاء تورّطه في هذه العمليّات، وفضل البقاء صامتًا، تاركًا داعش ليتبنّاه.

ما يمكن أن نتوصل إليه، هو أنّ المملكة العربية السعودية، التي تعتبر العدو التقليدي لإيران في المنطقة، هي الداعمة لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرّفة والمناوئة لإيران، بل وتدعم أيضًا كل المعارضات السياسية لإيران في الخارج، كمنظّمة مجاهدي خلق، على الصعيد المادي والمعنوي، إلى أن وصل بها الأمر أن يحضر تركي الفيصل الأمير السعودي، والرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي، في خطاب له في خلال اللقاء السنوي لمجاهدي خلق في العام 2016 في باريس، ليعلن دعم السعودية الكامل للمنظّمة وسائر المجموعات المناوئة لإيران.

سوف تواصل السعودية دعمها للمجموعات المناوئة لإيران، علّها تضعف دولة إيران، وهي دولة إسلامية أصولية شيعية، أو تغيرها. ولطالما قامت السعودية، وبشكل رسمي، باتهام إيران بدعم الإرهاب وتصدير ثورتها إلى بلدان أخرى، وبالتدخّل بالشؤون الداخلية للبلدان العربية. ومؤخرا قام محمد بن سلمان، وزير الدفاع وولي ولي عهد السعودية، وفي خلال لقاء له، باتهام إيران بمحاولة السيطرة على كل المنطقة وهدد إيران بزعزعة أمنها الداخلي وبنقل الحرب إلى داخلها. وفي المقابل، قامت إيران في مقام الرد على اتهامات السعودية، بالإجابة عبر وزير داخليتها إنّه إذا ما ابتدأت السعودية بحرب ضدنا، فإنه لن يبقى مكان سالم في السعودية ما عدا مكّة والمدينة، اللتين هما مدينتين مقدرستين للمسلمين. نظرا لهذه الأوضاع، هل يمكن النظر إلى هجمات طهران على أنّها تحمل في طياتها رسالة تفيد إنّ الشرق الأوسط سوف يدخل في مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية بين إيران والسعودية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى