ايراندوليروسياسوريةلبنان

زافترا: مخططات الناتو لتوريط دول الخليج في استراتيجياته العسكرية ضد روسيا

الكاتب والمحلل السياسي
رامي الشاعر

في الأول من نوفمبر الجاري تم تعليق عمل البعثة الدائمة لروسيا في “الناتو” ببروكسل، وكذلك تم تعليق أنشطة بعثة الاتصالات العسكرية والمكتب الإعلامي للتحالف في موسكو.كذلك فقد صرح الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بأن نشاط سفن حلف الناتو في البحر الأسود هو مصدر قلق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أفادت سابقاً بأن السفن التابعة للقوات البحرية الأمريكية، والتي وصلت للمشاركة في المناورات الدولية التي تجريها القيادة العامة للقوات المسلحة الأمريكية في أوروبا بمنطقة البحر الأسود، والتي تشارك فيها المدمرة “بورتر” الحاملة للصواريخ الموجهة، وناقلة وسفينة قيادة، تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.وكان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قد أعلن أن محاولات سفن الناتو، المزودة بأسلحة طويلة المدى وعالية الدقة على متنها، تدخل البحر الأسود في اختبار للقدرة الدفاعية الروسية في منطقة ساحل البحر الأسود، مشيراً إلى أن روسيا على أهبة الاستعداد للرد على أي استفزازات من جانب “الناتو”.إن تصرفات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود تستهدف وضع منطقة البحر الأسود على حافة البركان، ولا يمكن التعامل مع ذلك بوصفه حادثاً عرضياً أو مناورات روتينية مع دول حليفة مثل أوكرانيا وجورجيا، وإنما هي استراتيجية أمريكية بريطانية تهدد المصالح الروسية وتهدف التشكيك في سيطرة روسيا الكاملة على البحر الأسود، وتعزز فرضية أن مياه البحر الأسود يمكن أن تصبح منطقة حرب افتراضية. وتلك استفزازات لن تسمح روسيا باستمرارها.في نهاية سبتمبر الماضي، وأثناء لقائه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، على حرص الحلف على العلاقة مع روسيا، ولم تكد “تبرد” تلك التصريحات، حتى أعلن “الناتو”، في السادس من أكتوبر، طرد ثمانية دبلوماسيين روس من بروكسل، بالإضافة إلى تقليص منصب اثنين آخرين، ليتقلص بذلك عدد العاملين في البعثة إلى 10 أشخاص.

كانت الذريعة التي تحجج بها “الناتو” كالعادة هي “الرد على الأنشطة العدوانية لروسيا في الدول الأعضاء في الحلف”، بينما اشتبهت بروكسل في أن 10 أعضاء من البعثة يعملون لصالح المخابرات الروسية!قبل ذلك، في فبراير، زار موسكو الممثل السامي للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وأكّد في إطار الزيارة على أهمية “المضي قدماً في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا”، مشدّداً على ضرورة أن يتجنب الاتحاد الأوروبي “مواجهة مستدامة” مع روسيا، مع ضمان الدعم للمجتمع المدني الروسي. وما أن عاد إلى بروكسل، حتى اعتبر أن الحوار السياسي مع روسيا قد وصل إلى “حالة ركود”، وأعلن عن عقوبات جديدة ضد روسيا.هكذا تصل الأوامر إلى بروكسل، فتتغير البوصلة بين ليلة وضحاها، وهكذا تدير واشنطن أمور الحلف والاتحاد من وراء المحيط، دون أن يكون لأي من ستولتنبرغ أو لبوريل أدنى مسؤولية على ما يدلون به من تصريحات. فعن أي علاقات بناءة أو مثمرة يمكن أن يدور الحديث.

في مكالمة هاتفية يوم أمس مع المستشارة الألمانية السابقة، والقائمة بالأعمال مؤقتاً، أنغيلا ميركل، أشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الطبيعة الخطيرة لنشاط قوات “الناتو” في البحر الأسود. وتضمن بيان الكرملين الإشارة إلى “الطبيعة الخطيرة والمزعزعة للاستقرار والأنشطة الاستفزازية للقوات المسلحة الأمريكية وعدد من دول الناتو الأخرى في البحر الأسود”.إن ذلك الوضع ليس وليد اللحظة، وإنما مستمر منذ فترة طويلة، فقد تم الإعلان عن تشكيل فريق عمل في حالة تأهب قصوى، حال وقوع “هجوم روسي” على أي من دول “الناتو” لأول مرة في سبتمبر 2014 في قمة الحلف. وبعد ذلك بعامين حصلت روسيا على لقب “التهديد الرئيسي” لأعضاء التحالف، على الرغم من أن روسيا لم يكن لها، وليس لها أي نية لمهاجمة أي أحد. ولكنها ذريعة للمضي قدماً على طريق العداء، وإقامة المزيد من القواعد العسكرية في الدول المختلفة.إن هذا لا يخلق توترات خطيرة للغاية في السياسة الدولية فحسب، وإنما أنشطة لا طائل لها، فقد تم تجهيز القوات البحرية والجوية الروسية اليوم بأنواع أسلحة متطورة للغاية، بما في ذلك السفن التي يرغب الغرب في “اختبار قدراتها” في البحر الأسود. لم يعد جيشنا كما كان قبل عشر سنوات، وتسوده روح قتالية عالية، قادرة على تبديد أي أوهام لأي أحد بالمساس بالأمن القومي الروسي. فالأمن القومي لروسيا يعدّ ركيزة لأمن الكوكب بأسره، وضمانة للحفاظ على عالم متعدد الأقطاب.

إلا أنني أؤكد، في الوقت نفسه، أن الحرب لن تندلع، كانت تلك وجهة نظري في مارس 2019، عندما دقت أجراس الخطر بإنهاء معاهدة القضاء على الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، ومحاولات تقويض عملية السلام في سوريا، ولا زالت هي وجهة نظري الآن، حتى عندما تم تجميد العلاقات بين روسيا و”الناتو”. ومع ذلك، فإني أخاف على كل دولة توجد فيها قواعد “الناتو”، ذلك أن تلك الدول والأمم يمكن أن تصبح رهائن وضحايا لعبة سياسية كبرى، لا ناقة لهم فيها ولا جمل.فأي استفزاز أو خطأ عسكري غير مقصود، يمكن أن يؤدي إلى أضرار تمس مئات الآلاف، وربما الملايين من الأرواح، جراء ضربات انتقامية موجهة لأهداف مشروعة حيث توجد قواعد “الناتو”، خاصة في ظل التهديد الخطير للغاية للأمن القومي الذي يمثله تمركز قوات “الناتو” حول الحدود الروسية، وفقاً لما أعلنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. والعسكريون يدركون جيداً الإمكانيات التي تمتلكها روسيا الآن.لن تبدأ روسيا بالعدوان تحت أي ظرف من الظروف، إلا أنها سوف ترد، وبكل تأكيد، على أي عدوان موجه ضدها. وإذا أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية في تقديراتها، وقررت تجاوز “الخطوط الحمراء” التي رسمتها روسيا، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتحديداً على الدول التي تأوي قواعد “الناتو” في المنطقة، التي يمكن أن تصبح أهدافاً حقيقية للتدمير.

لذلك أدعو جميع الدول على التفكير اليوم قبل الغد في كيفية التخلص من قواعد “الناتو” على أراضيها، وأناشد دول العالم العربي الابتعاد عن “الناتو”، التحالف العسكري الذي لم يعد له هدف واضح، بعد تفكك حلف وارسو الذي كان يمثّل العدو والتهديد الرئيسي له، ما الذي يهدد “الناتو” الآن، وما أهدافه؟أعتقد أن قرار قطع العلاقات بين “الناتو” وروسيا هو بداية مشوار التفكك لهذا الحلف، الذي تبدو الحاجة إلى حلّه بمثابة خطوة جريئة. إلا أن تاريخ العالم أثبت عدة مرات إمكانية ذلك، في ظل ظروف معينة ما بين انهيار الإمبراطورية الرومانية، والبريطانية وتفكك الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارسو.إن العلاقات ما بين روسيا و”الناتو” قد تجاوزت مرحلة “اللاعودة”، حتى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بدبلوماسيته المعهودة، لم يتمكن سوى من القول بصراحة إنه “لم تعد هناك حاجة للتظاهر بأن التغييرات مع (الناتو) ممكنة. لقد فشلت محاولات عدة لإقامة حوار”. وذلك على الرغم من وجود آمال عقدت على ذلك، على سبيل المثال في الاجتماع المصيري لرئيسي البلدين، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، في جنيف يونيو الماضي، إلا أن فتيل الموقف المتأزم، الذي خلقه حلف “الناتو”، لم يعد من الممكن نزعه.

فما الذي يخافه الغرب حقاً؟ هل يخاف ما يسميه “دعم الأنظمة الاستبدادية من جانب روسيا؟ أو “هجمات روسية على دول البلطيق”؟إن هذا ما يخشاه ضحايا الدعاية، ممن اقتنعوا لسنوات طويلة بأن روسيا عدو معتد. أما الذين ابتدعوا هذه الدعايات الكاذبة فيعرفون أنها باطلة. في الواقع يخشى السياسيون الأمريكيون الحفاظ على العالم متعدد الأقطاب، الذي تدافع عنه روسيا، لا ترغب الدول في تدمير هيمنتها على الساحة العالمية، تلك الهيمنة التي بنوها لفترة طويلة، وبمجهودات وموارد ضخمة، وباستخدام أكثر الوسائل خزياً ووضاعة، بما في ذلك إطلاق العنان للصراعات المحليّة، واستخدام التطرف والإرهاب مطية، وافتعال “الثورات الملونة”، وإيصال أتباعها إلى السلطة في دول أخرى وغيرها من الوسائل. تحلم الولايات المتحدة الأمريكية بعالم أحادي القطب، يقع جميعه تحت تأثيرها، مع قدرتها على استخدام موارد البلدان الأخرى مجاناً أو مقابل “سنتات” صغيرة.بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية استخدام “دمقرطة” المجتمع ستاراً لإدراك هذه النوايا، ومع ذلك فتطبيق الديمقراطية الأمريكية في البلدان الأخرى بالقوة لا يتجذّر.واليوم، تدعم روسيا، باعتبارها قوة عظمى راسخة، حق كل دولة في السيادة، وتنظّم حوارات بين الأطراف المتحاربة، بما في ذلك في المناطق التي يستفيد فيها الغرب من الحروب وعدم الاستقرار، فليس من مصلحة روسيا، بطبيعة الحال، أن “يرقص” العالم أجمع على الطريقة الأمريكية، ويجرون وراء السراب الأمريكي.

لا يعتزم أحد أن يتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، وحقها في اختيار مع من تريد التعاون، أو حتى طلب المساعدة العسكرية، إلا أن القواعد العسكرية لحلف “الناتو” والولايات المتحدة الأمريكية في الدول العربية بالخليج، من حيث الحجم والتجهيزات الهندسية، والبنى التحتية، تهدف إلى تنفيذ مهام أبعد ما تكون عن “الدفاعية”، بذريعة “الخطر الإيراني” و”المخطط الإيراني” وغيرها من الذرائع، وهي مقامة بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا، ووجب اليوم الإشارة والتنبيه إلى خطورة تواجدها لما تمثّله من تهديد للأمن القومي الروسي. فتلك القواعد تستهدف، وبشكل أساسي، روسيا ومحيطها الاستراتيجي، وهو ما يثير القلق في ظل التوتر القائم في منطقة البحر الأسود، وعلى خلفية ما صرح به وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اليوم، من تأكيده على “العزم المتواصل للتمسك بموقف متّزن”، إلا أنه تابع: “لكننا سنرد بالطبع على الخطوات غير الودّية التي سيتخذها الغرب، وسنرد بالمثل أو بإجراءات غير متناسبة في حالة الضرورة”.لقد صرح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يوم أمس، السبت 13 نوفمبر، خلال حديث لقناة “فرانس 24″، بأن المحادثات مع إيران “سوف تستمر، ومن المتوقع إجراء جولة خامسة قريباً”، وعلى رغم كل ما تحمله هذه التصريحات من مناحٍ إيجابية على صعيد تطبيع العلاقات بين دول الخليج وإيران، إلا أن كل الجهود والمساعي لتطبيع العلاقات مع إيران تواجه فوراً بخطوات من قبل الإدارة الأمريكية لتصعيد التوتر بين دول المنطقة، وعرقلة التقدم في التوصل إلى اتفاق دولي حول الملف النووي الإيراني.

#مرايا_الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى